قائمة المقاييس

فهرس المحتويات








    get this widget

    الخميس، 4 مايو 2023

    إشكالية الهوية والإبداع : الإنسان ، الوطن، المكان واللغة

     




    قضايا الشعر المغاربي

    إشكالية الهوية والإبداع : الإنسان ، الوطن، المكان واللغة.

    - 1- مفهوم الهوية :

          مفهوم الهوية من ناحية الدلالة اللغوية ، هي كلمة مركبة من ضمير الغائب " هو " مضافا إليه ياء النسبة لتدلّ الكلمة على ماهية الشخص أو " الشيء " كما هو في الواقع بخصائصه و مميزاته التي يعرف بها ، بناء على مقومات           وخصائص معيّنة تمكّن من معرفة صاحب الهوية بعينه دون اشتباه مع أمثاله من الأشباه؛ فهي خصوصية تاريخية ، لغويّة ، دينية ، فكرية، ثقافية و قيميّة، تساهم في نحت ملامح هويّة خاصة تتميّز عن بقية الهويات الأخرى، و التي تختلف عنها بالضرورة ،وعبرها يتواصل مع الأنا كما الآخر. إنّ الإنسان كائن لا ينأى عن رسم حدود ذاته بواسطة منطق الهوية ، والتي تحدّد رؤيته للعالم وللأشياء، فيكتسب طرق إقامته في العالم، فيعرف ذاته و يعرف غيره، فهي مخزون و موروث جمعيّ تاريخي طويل الامتداد في الزمان والمكان ، مملوء بالأمجاد و الإيجابيات وبالتناقضات       و التعارضات ، فالهوية على سبيل التلخيص هي جملة الملامح الفكرية و العقدية خاصة بجماعة بعينها ، بها تعرف      و تتميز و تقيم في العالم.

          ومن التعريفات الأخرى لمصطلح الهوية أنّها كل شيءٍ مُشترك بين أفراد مجموعةٍ مُحدّدة، أو شريحة اجتماعية تُساهم في بناء مُحيطٍ عامٍ لدولةٍ ما، ويتمُّ التّعاملُ مع أولئك الأفراد وفقاً للهوية الخاصة ولقد حرصت شعوب العالم منذ بداية البشرية حتى هذا اليوم على المُحافظة على تميزها وتفردها اجتماعياً، وقوميّاً، وثقافياً، لذلك اهتمت بأن يكون لها هويّةٌ تُساعدُ في الإعلاء من شأن الأفراد في المجتمعات، وساهم وجود الهوية في زيادة الوعي بالذات الثقافية والاجتماعيّة، مما ساهم في تميُّز الشعوب عن بعضهم بعضاً، فالهويّة جزء لا يتجزأ من نشأة الأفراد منذ ولادتهم حتى رحيلهم عن الحياة.

         ساهم وجود فكرة الهويّة في التعبير عن مجموعة من السمات الخاصة بشخصيات الأفراد؛ لأن الهوية تُضيفُ للفرد الخصوصية والذاتية، كما أنّها تعتبرُ الصورة التي تعكس ثقافته ولغته، وعقيدته وحضارته، وتاريخه، وأيضاً تُساهم في بناء جسورٍ من التواصل بين كافة الأفراد سواء داخل مجتمعاتهم، أو مع المجتمعات المختلفة عنهم جزئيّاً معتمداً على اختلافِ اللغة، أو الثقافة، أو الفكر، أو اختلافاً كُليّاً في كافة المجالات دون استثناء.

    2- مفهوم الهوية في الشعر الجزائري:

         إن البحث في مسألة الهوية في الشعر الجزائري طريقة حضارية لدحض كل الإدعاءات الزائفة حول هوية الجزائريين وتراثهم الذي يمثل تراكما لمعارف كثيرة، على امتداد قرون عديدة ؛ فالحديث عن الهوية في الشعر الجزائري الحديث يعد أمرا قديما قدم هذا الشعر، فمنذ أن تأسست الدولة الجزائرية على يد الأمير عبد القادر الجزائري ، والشعراء لم يتوقفوا لحظة عن الدعوة إلى الثوابت الوطنية ، وحث الشعوب على رفض كل أساليب المستعمر الذي أراد طمس معالم هذه الهوية العربية الإسلامية .

          لقد كانت أطروحة الشعر الجزائري الحديث أطروحة الثورة، فكان لزاما على الشعراء إظهار كلمتهم في مجابهة المستعمر، وبوصف أسس الثورة التحريرية، هو إثبات الهوية الوطنية واسترجاع السيادة، فقد ارتبطت قضايا الشعر الجزائري الحديث ارتباطا وثيقا بالثورة ضد المستعمر الفرنسي الذي قام بطمس الهوية الوطنية، والبعد الديني والحضاري للشعب الجزائري، فأبرز الشعراء موقفهم من المستعمر، وتغنوا بالعروبة والدين الإسلامي، ودافعوا عن الثوابت الوطنية، وسعوا إلى ترسيخها في أذهان الناس، وتحقيق الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية وإثبات الهوية. أدت هذه الفترة إلى ظهور أسماء كثيرة من الشعراء أمثال : محمد العيد آل خليفة، مفدي زكريا، محمد السعيد الزاهري، محمد الهادي السنوسي، الطيب العقبي ، أحمد سحنون وابن السائح محمد اللقاني... وغيرهم.

           وقد ساير الشعر الجزائري الحديث الثورة التحريرية ، فظهر شعر الثورة؛ حيث عبر الشعراء عن قضيتهم الوطنية فى مقاومتهم الاحتلال الفرنسي، فاتسم شعرهم بالنزعة الوطنية التي تمجد الثورة والوطن، ومن بينهم شاعر الثورة مفدي زكريا الذي تغنى بحب الجزائر، وعبر عن حب الجزائريين للوطن وثورتهم ضد المستعمر :

    ويا ثورة حار فيها الزمان     وفي شعبها الهادئ الثائر

    ويا وحدة صهرتها الخطوب فقامت على دمـــــها الفائر

         لقد كان الشاعر مفدي زكريا يدافع عن الثوابت الوطنية وسعى إلى ترسيخها و يحارب بالكلمة كل ما من شأنه محو آثار هذه الهوية وطمسها ؛ فسعى في شعره إلى التغني بالعروبة والاعتزاز بهذا الانتماء الذي كان عن طريق الدين الإسلامي، فكان الاعتزاز بالعربية اعتزازا بالإسلام كذلك.

         وعبّر الشاعر صالح خباشة عن الثورة الجزائرية وجعلها عبارة عن صرخة الثوار في وجه المستعمر، والتي تواكبها طلقات المدافع والرشاشات للدفاع عن حمى أرض الوطن وشعبها الطاهر والصامد في وجه المستعمر ، إذ

    يقول :

    اسمعوها صرخة من كل ثائر وحدة القطر وشعبي في الجزائر

     یا بلادي أنا أقســــــمت بثأر  يصرخة المدفع والرشاش هادر

    غاية الثوار في أرض المفاخر أنا دون النصر لا تخمد ناري

    فاسمعوها صرخة من كل ثائر لن تنالوا أي شبر في الجزائر

           لقد صور الشعراء من خلال شعرهم ظلم وطغيان المستعمر ، ومآسي الشعب الجزائري، وعبروا أيضا عن صمود هذا الشعب أمام جرائم المستعمر الفرنسي من خلال ثورتهم ضده ، والسعر للدفاع عن استقلال الجزائر، ومجد الشعراء ثورة الجزائر، وعبروا عن إحساسهم إزاء نارها الملتهبة التي تحرق العدو، وتنتصر لسيادة الجزائر.

           إذا انتقلنا إلى الهوية الدينية، فإن الشعراء الجزائريين قد وظفوا في أشعارهم معاني القرآن الكريم، فقد أضفوا مثلا على الأشعار التي تتناول أحداث الثورة طابعا دينيا، واعتبروا كفاح الشعب الجزائري ضد ظلم الاستعمار جهادا في سبيل الله، ومثال ذلك تشبيه الشاعر مفدي زكريا الفاتح من شهر نوفمبر تاريخ اندلاع ثورة التحرير بليلة القدر، وجعل قيمة هذا التاريخ من قيمة غزوة بدر أيضا، إذ يقول:

    تأذن ربــــــــــك ليلة قـــــــــدر  وألـــقى الستار على ألف شهر ​

    وقال له الشعب: أمــــرك ربي  وقــــال له الرب: أمرك أمري​

    ودان القصاص فرنسا العجـــوز  بما اجترحت من خداع ومكــــــر ​

          لقد غيّر الفاتح من نوفمبر مسار الحياة في الجزائر، من خلال مواجهة المستعمر الظالم، والاستشهاد في

    سبيل تحرير الجزائر الذي هو بمثابة استشهاد في سبيل الله.

    ويؤكد الشاعر صالح خرفي أن ثوار الجزائر ما هم إلا امتداد طبيعي لمجاهدي الأمة الإسلامية، والذين ثاروا من أجل إعلاء كلمة الحق والإسلام وإعادة أمجاده، حيث يقول:

    في أرض الجزائر خير جند * يقيم لغابر الإسلام ذكرى

    كأنّك فيهم (بعلي) ينادي * لقد وعد الإلهُ الخلقَ نصرا

     فهُبّوا لاقتحام النّار وابنُوا * على جثث الفدا للمجد جسرا

    فليت العين منك رنت إليهم * إذن لتذكّرت أحدا وبدرا .

    3- الهوية في الشعر التونسي :

         لم يكن الشعر التونسى بمنأى عن التطورات الحضارية بل استبطنها وتمثلها، فخرجت علينا شعرا يحمل بين جنباته ملامح هوية منفتحة على منجزات الآخر النصية والقاطعة مع قديم الشعر، والمتخذة لنفسها أشكالا تعبيرية مغايرة للنموذج الشعري العربي التراثي، ومن هذه الزاوية يمكن أن نقسم المدوّنة الشعرية التونسية على ضوء تفاعلها مع سؤال الهويّة إلى ثلاثة أقسام رئيسيّة تختزل طرق تفاعل الشعر مع رجّة الحداثة و كيفية صونها للهوية أو القطع معها، وهي كالآتي :

    أ - الكتابة التوفيقية : يدخل تحت طائلة هذا العنوان عدد كبير من شعراء تونس على غرار آدم فتحي و محمد الخالدي و عادل المعيزي ، حافظ محفوظ و محجوب العيّاري جميلة الماجري، المولدي فرّوج ، وعبد الله مالك القاسمي، ممن استفادوا من منجزات الحداثة فتمثلوها واستوعبوها بطرق مختلفة، وتبدو الكتابة لدى آدم فتحي ومحمد الخالدي كتابة منخرطة في الحداثة قاطعة مع الأمس الشعري التليد و يظهر ذلك جليًا في نقل الشعر من مرحلة الكتابة الخليلية إلى كتابة تستقدم فنونا أخرى مثل السينما والمسرح و الفنون التشكيلية و لقد أثرت فيها ثقافة الصورة أيما تأثير.

    ب - كتابة القطيعة : هي كتابة نسفت كلّ الهويات لتنتصر لهوية الذات والشعر، ولهويّة النص، فحملت القصيدة معها من النواهي ما يلزم الشعر بأن يتجنّب أي تراسل مع الخارج ، و قطعت مع كلّ الإكراهات ( الوزن / المعنى ) لتدشن بذلك عصر الكتابة الخالصة كما أطلق عليها الأستاذ المنصف الوهايبي والتي تمثلها أسماء عديدة مثل الشاعر عبد الفتاح بن حمودة و آمال موسى ، فصار الشعر يتجنّب أن يستعير من الخارج اسما أو مناسبة أو موضوعا. وصارت القصيدة نصا منغلقا على عالمه الشعري، منه ينطلق و إليه يعود في حركة دائرية، غايتها الإنصات للغة للذات، إنّه احتفاء بالشعر لذات الشعر ، صفتها الاختزال والتكثيف والإيحاء والوصف .

     ج- الكتابة المنتصرة للهوية : ليست الكتابة ترفا أو تسلية، الكتابة مأساة أو لا تكون على حدّ تعبير الأديب التونسي محمود المسعدي، ومأساة الكتابة الناشئة من رحم الهم الذاتي و الموضوعي، فالسياسي والوجودي والقيمي و الحضاري أشياء تنطلق منها الكلمة و إليها تعود، وعلى من نصب نفسه صاحب فكر و رؤية و موقف و قلم أن يتمثلها مبنى و معنى، و بالتالي أن يكون مثقفا عضويا بامتياز يدافع بفكره عن أمته وهويتها .

    4- الهوية في الشعر المغربي :

        استقر الشاعر المغربي المعاصر في بداية الألفية الثالثة عند الجانب الذاتي، وواصل بحثه كما بدأه الرواد من قبل، لكن الملاحظ أن التعبير عن الذات اختلف من حيث الوظيفة؛ فالشاعر الآن يقاربها من حيث موقعها في المجتمع، كما أنه لم يَعُدِ المغترب أو المتأرجح بين الانتظار والسقوط إن البحث عن الذات دفعَ الشاعر المغربي المعاصر إلى استجلاء الروح الصوفية، تشبعا بما اجتمع فيها من رؤى تعبيرية رصينة، تقترب من ذاته الباحثة عن الهوية، ومن الذات المبدعة المناجية للآخر بأسمى كلماتِ الهوى.

         وحينما نطلع على بعض المجموعات الشعرية المغربية المعاصرة للجيل الجديد، نلمس التوغل في الإبداع ، وفي ذلك تأويل للذات المبدعة التي يطغى عليها الحس الشاعري، فتحاولُ تَلَمُّسَهُ من خلال التعبير اللغوي بطاقة إبداعية خلاقة، كما أن الشاعر المعاصر يلجأ إلى ذلك للترويج لفكره وتجربته الشعرية بناءً على معطى أساس وهو أن البحث عن الهوية الذاتية أرْخَتْ بظلالها على الشعر نفسه، فأصبح الشاعر تواقا إلى حديث رمزي إيحائي عن التجربة الإبداعي

         ويتخذ الشاعر المغربي المعاصر انتماءه في وطن الشعر ملجأ يجعل منه حياة أخرى غير التي يعيشها، وقد يختار أن يكون وطن فلسطينَ أمَّةً وملاذا، ووطنُ القصيدِ فضاءً لذيذا، كما قد يجعل شاعرٌ آخرُ القصيدة وطنا كليا، فينبُتُ فيهِ ويستجيرُ به أثناء تيههِ ، كما يلجأُ أيضا إلى استحضار بعض التفاصيل اليومية للأمة العربية والإسلامية بتذكر أوجاع الأمة الفلسطينية التي فقدت المكان والزمن والهوية، فيجعلُ القصيدة مأوى استثنائيا ووطناً ممكناً. و قد يتساءلُ الشاعر عن فحوى الكينونة والوجود الإنساني في ظل غياب أسس الحياة الكريمة، وهو اتجاه انتهجه الشعراء منذ القديم، ويَنْزِعُ إلى الحفاظ على الكرامة والهوية والنزعة الإنسانية المفتقدة، وهي أسئلة مشروعةً يبحث من خلالها الشاعرُ عن ذاتٍ مبدعة وسط وطن محكوم بالضياع والدم الممزوج بضحايا المواطن الباحث عن ذاته.

          ويمكن القول ، إن البحث عن الهوية إن لم يكن من داخل الذات، فالأولى أن يتعود الشاعرُ على ذاته خارج إطار الشعراء العاديين، بمعنى أن المبدع يختارُ بين مُرَّيْنِ، إما البحث عن ذات وسط ذوات أخرى أو خلقُ ذاتٍ بديل ،إن أغلب الشعراء المغاربة المعاصرين يلجؤون إلى تعويض الذات بالوطن الشعر ، أو الوطن الآخر، وهو دليل على البحث عن الملاذ في الوطن الآخر، أو الوجود الأصلي الذي يرتضيه كيانا ووجودا.

         و أثناء بحثِ الشاعر عن الوطن ؛ قد يسافرُ بهِ اللفظ إلى دهاليز الرؤى البعيدة، فيحاول أن يجد الصيغة الملائمة لذاته، فيهرب باللغة إلى أسمى التعابير التي تجعل الشاعرَ يَتُوقُ إلى البحث عن خلاص الذات من وقع المعيش اليومي المرير، وتقصي الواقع المتخيّل الذي يتيه فيه في عالم تيه الإبداع الذي يجد به روحا شعريةً جديدة بديلة، ملؤها اللغة المستَترَةُ وراءَ العشق الصوفي وقد تكون الذاتُ المبدعة في الغالب ذاتا متمردة على الواقع الإبداعي، لذلك نؤكد أن الشاعر المغربي المعاصر في التجربة الجديدة مبدع باحث عن ذاتٍ مبدعة أكثر من بحثه عن الذات الإنسانية، لذلك فالغوص في تكاليف الإبداع وصيغ البحث عن وظيفة الشعر وأهميته، والنبش في القضايا العالقة به وغيرها من التنظيرات الشعرية كانت من صُلب الموضوعات التي أثارت اهتمامه، فلبی بها منطق ذاته، واستطاع أن يكَونَ لبنةً أُولى لكثير من التوجهات الأدبية العامة، من هنا بحث الشاعر المغربي المعاصرُ عن توجه جديدٍ يبحث من خلاله عن الآخر، وإن تعددت السبُلُ. وخلاصة القول :

          لقد عَمِدَ الشاعر المغربي المعاصر إلى البحث عن المرادف لحياته ، فجعل الوطن أولا، والقصيدة ثانيا، والآخر ثالثا، كما أن الذات الإنسانية حاضرة بقوة عوضا عن الهوية الضائعة في المجتمع. رابعا : انتباه البعض إلى الكينونة العربية والإسلامية بحثا عن الهوية المغيبة ، وهي في مجملها عوالم ذاتية، كتمها الشاعر في حياته ليخَلَّدَ بها شعرَه، كما أنه استطاع أن يقدم صورة عن واقع معيش يرتضيه أفقا وفضاء حياتيا بديلا للواقع الحياتي المرير، لكن المؤكد أنه لم يواصل غربته الوجودية كما انتهى إليها الشعراء الرواد، بقدر ما حاول أن يتبنى موقف المدافع عن الحرية الفردية وعن الحياة الكريمة ، لذلك اختار أن يدافع عن الشعر بالشعر ذاته ليبحث عن بديل موضوعى أو معادل موضعي لحياته.

    5. المكان والإنسان في الشعر المغاربي الحديث :

             نشأت علاقة حميمة بين الإنسان والمكان منذ القديم، ولقد صوَّر الشعر المغربي هذه العلاقة ، وللمكان تجليات مختلفة في الشعر المغاربي سنتعرض إلى بعضها، و قصيدة في عظمة الجبل خاطب فيها الشاعر أحمد سحنون جبل (الضاية) من وراء قضبان المعتقل إبان حرب التحرير: 

    أيها الطود ليت لي منك ما … أوتيته من مناعة واعتلاء!

    ليتني كنت- أيها الطود- حرا … من قيود قد حطمت كبريائي

     ليتني كنت منك قطعة صخر … لا تحس الغرور في الأدعياء

     وإذا ما الرياح مرت عليها … رمقتها بنظرة استهزاء!

          ولذلك تردد ذكر الجبل كمكان مفضل لدى الشعراء«وتعتبر جبال الأوراس أكثر إثارة لقريحة الشعراء وجذبًا لشاعريتهم ، لأن الأوراس كانت المقاومة، يقول الشاعر صالح خرفي :

    من منبر(الأوراس) حي المجمعا                                «فالضاد والرشاش قد نطقا معا»

    فانظر هنا تجد البطولة منبرا                                    وتر البطولة في الجزائر مدفعا

    لم تروا غلتنا المنابر، فارتقيـ                                   ـنا لخطابة (أطلسا) متمنعا

    تلك الذرى كم زمجرت برصاصها                             فأرت لنا منه الخطيب المصقعا

         إن للمكان أهمية كبيرة في بناء النص الشعري المغربي  وقد يظهر للبعض أن الأهمية التي نعطيها للمكان في المتن الشعري المعاصر بالمغرب تضخيم لوعي الشاعر المغربي ، ويمكننا إدراك بنية المكان في المتن الشعري المعاصر بالمغرب ، ودلالة وجودها من خلال النص الشعري هسبريس للشاعر محمد الخمار الذي يقول فيه :

    تناديك باسمك

    ريح السهوب و قد حركت شجر النهر

    وجه الغبار و قد ملأته الكتابة،

    شمس المحيط و ما لونت، من سفوح و غاب،

    يد الورق المتساقط فوقك غبّ المساء،

    تناديك باسمك ،

    هسبريس تناديك باسمك في كل عام

    تذبّح أبناءها و تقول :

    من خلال الرماد رأيتك نارا،

    فنارك فيك ، فنارك فيك.

    وتكلم الشاعر المغربي عن الإنسان بوصفه ذاتا  متألمة  ونجد ذلك مثلا عند الشاعر محمد السرغيني، الذي يقول في قصيدة "الإنسان والأرض" :

    إنسان الساعة في بلدي مغلول الأشواق كالأسد يتنمر

    مصلوب الفكر ويظل يغني للأبد

    إنسان الساعة في بلدي، لا يعمل للحب

    إنسان الساعة في بلدي

    يحيا كالصخر بلا قلب ».


    التحميل من هنا



       


    المشاركات المميزة

    مشاركات