قائمة المقاييس

فهرس المحتويات








    get this widget

    الثلاثاء، 7 مارس 2023

    الثورة الجزائرية في الشعر العربي

     


    ملخص المحاضرة الأولى

    الثورة الجزائرية في الشعر العربي:

         حركت الثورة الجزائرية وجدان الشاعر العربي منذ تفجيرها ، واستمر ذلك إلى زمن ما بعد الاستقلال، ولا نبالغ إذا قلنا إن الشعر في كل قطر عربي، من بغداد إلى مراكش قد حفل بتناول الثورة الجزائرية وكفاح هذا الشعب الكبير، وبكل الأشكال الشعرية المتاحة. وقد عبر عن ذلك شاعر الثورة الجزائرية نفسه حين اعترف بمساندة  بلاد العرب قاطبة لكفاح هذا الشعب ، فقال في إحدى قصائده:

    إمّا تنهَّد بالجـــزائر مُوجَــــع     آسى «الشــآمُ» جراحَه، وتوجَّـعَا

    واهتزَّ فـــي أرض " الكِنانة" خافقٌ    وأَقضَّ في أرض (العراق) المضجعَا

    وارتجَّ فـــي الخضــراء شعبٌ      ماجدٌ لم تُثنِه أرزاؤه أن يَفـــزعَا

    وهوتْ «مُراكشُ» حـولَه وتألمّتْ     «لبنانُ»، واستعدى جديسَ وتُبَّعـــَا

    تلك العروبةُ.. إن تَثُــرْ أعصابُها     وهن الزمانُ حيالَها، وتضـعضــعَا

             وبصرف النظر عن قيمة القصائد التي قيلت في الثورة الجزائرية من حيث الجودة الشعرية، فإن الكم الهائل من الأشعار الموجهة إليها دليل كاف على أن العرب تفاعلوا معها تفاعلا ينم عن مؤازرة وإعجاب وتمن بالنجاح، لكونها تمثل فخرا لكل العرب والمسلمين. ولقد أكد عثمان سعدي الذي كان سفيرا بالعراق وسوريا أنه تمكن من " جمع 254 قصيدة في الثورة الجزائرية قالها 107 شعراء من العراق فقط ... و198 قصيدة قالها 62 شاعرا من سوريا في الثورة  الجزائرية." يرى عبد الله ركيبي أن" ما من شاعر عربي – رغم كثرة الشعراء على الساحة العربية – إلا وذكر الأوراس في شعره سواء قليلا أو كثيرا، وربما كان ذكر الأوراس جواز مرور القصيدة إلى النشر حتى وإن لم تكن في مستوى يؤهلها لذلك."

    دوافع اهتمام الشعراء العرب بالثورة الجزائرية :

          كونها ثورة عظيمة في زمنها ومكانها، بالنظر إلى حجم البطولات والتضحيات التي قدمها الشعب الجزائري في حرب غير متكافئة قد حظيت بالإعجاب والتقدير والتعاطف، ليس فقط لدى العرب أو المسلمين بل عند غيرهم من ذوى التوجه الإنساني العادل

          كونها جاءت بعد ثورات تحرر متواصلة في البلاد العربية، وحروب طاحنة ضد قوى الاحتلال الغربي والصهيوني. ولعل مأساة فلسطين وعجز الأمة عن التخلص من هذا الكيان الغاصب المدعوم من القوى العظمى ومنها فرنسا كانا حاضرين في وجدان كل عربي،  ما جعل تفجير الثورة الجزائرية أملا في استرجاع الأمة لبعض مجدها الضائع

          تنامي الحس القومي في هذه الفترة، والشعور بوحدة المصير، الأمر الذي دفع الإنسان العربي إلى الرغبة في رؤية البلاد العربية تتحرر، استعداد لوحدة قومية مأمولة تكون خلاصا من التشرذم والتخلف والتبعية 

    موضوعات الثورة :

    أ . وصف الثورة ومعاركها :

              يقول الشاعر السوري سليمان العيسى في أحد حواراته:" عندما قامت الثورة الجزائرية ثورة التحرير الكبرى كنا نتابعها يوما بيوم ومعركة بمعركة ونعد نفسنا من الثوار.. وان لم نشترك في الثورة أو نكون في جبال الأوراس. كنا نحلم أن نكون في الجبال مع المقاتلين لكن لم يتح لنا أن نحمل السلاح فوجدنا أننا نستطيع أن نساهم في هذه الثورة بأن ننقل لغة المنفى إلى أصلها.. الى اللغة الأم, ففكرنا قليلا ووجدنا أن أحسن خدمة يمكن تقديمها لهذه أن نطلع الإخوة العرب على ما يقوله إخواننا في الجزائر دفاعا عن الأرض والقضية والحرية."

          في هذا الإطار تأتي قصيدة أحمد حجازي (1935 -)(الموت في وهران) لتصف الجموع المقدمة في إصرار على انتزاع كرامتها دون خوف :

    من أبدل المعنى، فصار المنى   أن يلتقي صريعهم بالصريع؟

    ومن أضاء للعــيون الردى    وأطلع الفجر قبيل العزيع؟

    يرونــه ودونــه مقتل،      يرونه، ولا يرون الرجوع

          إن التفاعل الوجداني مع الحدث جعل الشاعر يندمج في جو الثورة والإصرار على تحقيق أهدافها، فيجد في جموع الثوار ما يريده . ويرفع حسن عبد الله القرشي (1934 -) آيات الإعجاب إلى الثورة التي صنعها من لا يخافون العدو ولا يهابون آلته الرهيبة، فهانت عندهم المصائب والأهوال طالما أنهم يؤمنون برسالتهم وبنصر الله لهم، فيقول :

    كم رحت أهفو نحوهم في حلك الكفـــاح

    لا يألمون للضنى، للــــهول، للجراح

    ويغزلون في الدجى أجنــــحة الصباح

    "ذؤابة الأوراس" لا يرهــــبهم سلاح

    ب . تصوير البطولة والشهادة :

          اعتلى الشهيد منصة التتويج بالشهادة والبطولة في شعر من يؤمنون بأن الحرية لا تعطى ولكن تؤخذ غلابا، فهو ليس ميتا عاديا تقام له المآتم وجلسات البكاء والعزاء، بل هو رمز للتعيير والأمل  يقول الشاعر السوري سليمان العيسى في تعظيم البطل الشهيد (زيغود يوسف) :

    يا سفح يوسف يا خضيب كمينه     يا روعة الأجداد في الأحفاد

    يا إرث موسى في النسور وعقبة    والبحر حولك زورق ابن زياّد

    يا شمخة التاريخ في أوراسنا         يا نبع ملحمة بثغر الحادي

    أتموت؟ تاريخ الرجولة فرية        كبرى إذن، ووضاءة الأمجاد

           أما المجاهد والمناضل فلا يجدان من الشعراء إلا التبجيل والتقدير، خصوصا إذا ذاقا مرارة السجن؛ فهذه الشاعرة العراقية نازك الملائكة  فتصور مكانة البطلة الجزائرية(جميلة بوحيرد) في قلوب العرب حين علموا بما لاقته هذه البطلة في سجون الاحتلال، وبقدر ما تعبر عن العجز عن تحريرها وتخليصها من العذاب والإهانة، تصور أشكال التنكيل الذي تعرضت إليه دون أن تتنازل عن مبدئها وهي المرأة التي كان يعتقد ضعفها وخوفها ، وتحاول أن تواسي البطلة بآثار ذلك التعذيب وذلك الصمود المضاد في إذكاء روح التضامن مع (جميلة) ومع كل جزائري يجابه القوة العاتية، فتقول في قصيدة( نحن وجميلة) :

    هم حملوها جراح السكاكين في سوء نية

    ونحن نحملها-في ابتسام وحسن نية

    جراح المعاني الغلاظ الجهوله

    فيا لجراح تعمق فيها نيوب فرنسا

    وجرح القرابة أعمق من كل جرح وأقسى

    فواخجلتا من جراح جميله!

         وتستوحي الشاعرة السورية طلعت الرفاعي (1922 -) مثال جميلة لتسقطه على نفسها في تعبير واضح عن مناصرة المرأة المجاهدة، فتذهب في تفاعلها مع أحداث الثورة الجزائرية إلى أن تقول بلسان كل  بطلة أسيرة في الجزائر فتقول:

    أنا هاهنا من غرفة في السجن مظلمة رهيبة

    هذه السطور أخطها في صمت وحدتي الكئيبة

    ما ضرني لو لم أثر، وبقيت في بيتي رهينة؟

    أغفو على الريش الوثير، وأحتسي الكأس الرقيقة ؟

    لا يا رفيق الدرب، لم أخلق لكي أحيا ليومي

    درس الفدا أخذته عن والدي وخالي وأمي

    ج- المكان بوصفه شاهدا على الثورة

         حين كتب أحمد حجازي قصيدته (أوراس)، قدم لها بقوله:" إن أوراس في نظري ليست قصيدة قديمة، لقد منحها موضوعها فرصة الميلاد كل يوم، وأن كل ما هو بطولي في القصيدة يأتيها من الثورة، وكل ما هو فج فيها مرده إلى جوانب في نفسي لم تمتد إليها نار الثورة بعد."

          وتختصر الأوراس من حيث كونها منطلق الثورة الجزائرية في شعر حجازي بلدا كاملا يشتعل ثورة، بل مغربا كاملا يعيش على وقع زلزال عنيف يبغي تطهير الأرض من دنس المحتل :

    مدن المغرب

    ترتج على قمم الأوراس

    زلزال في مدن المغرب

    لم يهدأ منذ سنين مائه

    لم يترك في جفن أملا في نعاس

    يأتي المولود على صوت الزلزالْ

    ويموت رجال

         ولا يتردد الشاعر سليمان العيسى في أن يجعل من الأوراس موطنا وجامع أشلاء، بل ونسبا وأصلا، لكونها أعادت له وللعربي كثيرا من الكرامة المهدورة، والعزة المفقودة ، فيقول :

    حملت أجنحة الأطفال ملء يـــــدي     وجئت أبحث يا أوراس عن جسدي

    تقاسمتني الرياح السود فانــــتزعي     شرارتي وهبيني جمــــرة لغدي

    جزائر الدم، ردي لي صدى نســـبي     وعصّبي جبهــتي بالأمس لا تـزد

          والشيء نفسه يقال عن وهران وقسنطينة اللتين شهدتا أحداثا جساما، ففي قصيدته( الطريق إلى قسنطينة) يعبر الشاعر العراقي سعدي يوسف (1934  ) عن استعداده لبيع مكتبته ليشتري بندقية وليكون جنديا بهذه المدينة، فيقول:

    أنا لستُ أملك بندقيه

    لكنهم لو يسمحون هنا لأسرعنا إليك

    ولبعتُ أوراقى ومكتبتى وجئتُ ببندقيه

    ولكنتُ جندياً لديك

    أمضى أُقاتلُ فى المدينه

    من أجلِ أطفالِ المدينه

    ولنسمة من برشلونه

    ولوجهكِ العربيِّ، يا ضوءَ الشمال...

           أما وهران فقد ألهمت بطولاتها الشاعر العراقي بدر شاكر السياب(1926 – 1964)، الذي كثيرا ما أشاد بالثورة على الظلم، وأشاد بالحرية و الانعتاق، وهاهو يهتز لما يحدث في وهران من بعث للحياة بعد الموت والسكينة للمحتل ، مستعينا لها برمز سيزيف الذي ثار على عقوبته ، وألقى عنه العبء، فيقول:

     هذا مخاض الأرض لا تيأسي

    بشراك يا أجداث حان النشور

    بشراك في (وهران) أصداء صور

    سيزيف ألقى عنه عبء الدهور

    واستقبل الشمس على (الأطلس)! 

           وإذا كانت وهران الجزائر قد نفضت عنها غبار العجز والاستسلام، وقامت لصناعة مجدها ومستقبلها، فإن وهران العراق ما يزال غارقا في مستنقع الحسابات الأجنبية والمصالح الضيقة، لهذا يختم السياب قصيدته (رسالة من القبر) بحرقة ولوعة تزيدهما أوضاعه الصحية مرارة، فيقول:

    أه لوهران التي لا تثور 

     الفــهرس

    ملخص المحاضرة الأولى. 1

    الثورة الجزائرية في الشعر العربي: 1

    موضوعات الثورة : 1

    أ . وصف الثورة ومعاركها : 1

    ب . تصوير البطولة والشهادة : 2

    ج- المكان بوصفه شاهدا على الثورة 3








    المشاركات المميزة

    مشاركات