قائمة المقاييس

فهرس المحتويات








    get this widget

    الاثنين، 4 ديسمبر 2023

    الغموض في الشعر العربي المعاصر

     


    أودونيس


    الغموض في الشعر العربي المعاصر

    تعريف الغموض في الشعر العربي المعاصر :

          يرى عز الدين إسماعيل ، أنه ينبغي التمييز بني الغموض والإبهام، فنحن نستخدم على الأغلب لفظة الغموض ونادرا ما نستخدم لفظة الإبهام مع أن الشيء المبهم المستغلق ليس هو دائما بالضرورة  الشيء الغامض .

        ولقد فرق بين مفهوم الغموض الذي يعد من أوجه البلاغة ومفهوم الإبهام الذي ينتج عن تعقيدات لفظية وتركيبية، ومن منطلق هذه التفرقة استطاع إدراج أغلب الشواهد التي تناقلتها مصادر الأدب العربي في باب الغموض من أشعار أبي تمام و المتنبي وغيرهما، تحت باب الإبهام .

    أسباب الغموض في الشعر العربي المعاصر :

          إن الغموض في القصيدة الشعرية المعاصرة، أخذ يكبر وقد أصبح يتجاوز الكثير من الإدراك، ولم يعد يخضع للواقعية أو العقلانية، ويبدو أن أسباب الغموض ليست واحدة، بل هي متعددة منها ما يتعلق بالشاعر نفسه، ومنها ما يتعلق بالنص، وقد يتعلق الغموض بالمتلقي ذاته، الذي يقرأ أو يستمع للشعر،وهذه الأسباب تتمثل في الآتي:

    -          أسباب متعلقة بالشاعر يبدو أن الغموض الذي يكتنف القصائد المعاصرة، قد يعود أساسًا إلى أن الشاعر يعتمد على ثقافته الخاصة، ولغته أكثر مما يعتمد على تجربته في الحياة. وهذه الثقافة غالبا، ما تؤثر على ما ينظمه من الشعر.

    -          عادة يلجأ الشاعر إلى فكرة الغموض في قصيدته؛ طلبا للتجديد؛ إذ إنه يرى أنّ عليه أن يساير كل ما يطرأ على الحياة من تغير، إضافةً إلى رغبته في أن يكون سباقًا في هذا المجال. في حين أنه يبدو أن طبيعة هذا التحدي، قد تخالف ما اعتاد عليه الناس، وتفاجئهم بما قد لا يعرفونه؛ فينعكس هذا بالسلب على القيمة، التي يتمتع بها النص الشعري في كثير من الأحيان.

    يقول الشاعر محمود درويش :

    لَنْ تَفْهَمُونِي دُونَ مُعْجِزَةٍ

    لِأَنَّ لُغَاتِكُمْ مَفْهُومَةٌ

    إِنَّ الوُضُوحَ جَرِيمَةٌ

    أسباب متعلقة بالنص :

           لطالما كانت لغة الشعر تختلف تماما عن لغة النثر؛ إذ إنها تتمتع بخصوصية الانزياح اللغوي في الشعر، وتعتبر مشكلة الغموض في النص الشعر من أولى المشاكل أو الصعاب التي تواجه المتلقي أو الناقد، وهو الأمر الذي يراه بعضهم أنه من الطبيعي أن يكون الشعر في بعض من مواضيعه غير مفهوم؛ فهي بالتالي سمة أساسية من سمات الشعر. وعليه تتجلى مظاهر غموض الشعر في أمور أساسية:

    ·        هي غموض الألفاظ،

    ·        غموض التراكيب،

    ·        المعنى والصورة،

    ·        الموسيقى.

        يقول الشاعر أدونيس: إن الشعر في الأساس يقوم على فكرة الغموض، التي تتمثل في كونه متعدد الدلالات والإيحاءات، وكذلك الصور الشعرية، وهي أمور جميعها ناتجة عن كثافة وحدة الشعر النابعة، من أساليب البلاغة الشعرية، لا سيما أسلوب الاتساع أو العدول، المتمثل في تجاوز اللغة الشعرية للوصف المباشر والتعبير عن الحقيقة، بمختلف الدلالات، التي تشكل جوهر النص الشعري.

        فالمتلقي سيكون دوره إعادة تحليل، وتفكيك هذا النص، وإنتاجه مرة أخرى، وفقا لقراءته وتحليله هو، وهي في حقيقتها قد تحتمل أكثر من تفسير وتأويل لذات النص الشعري .

    تطور الغموض في الشعر العربي المعاصر :

            ظاهرة الغموض في الشعر الحديث مرتبطة بظاهرة أخرى، تعد من أهم السمات التي تميز هذا الشعر، ونعني بها ظاهرة (التعبير بالصور) فقد بات النقاد والشعراء مما يعتقدون أن الحالات النفسية المقعدة والتجارب العاطفية والفكرية المركبة، لا يمكن التعبير عنها تعبيراً فنياً بغير الصور النامية.

        أما الشاعر فهي عنده شيء آخر، حين ينظم قصيدة فهو لا يعي أنه يخلق استعارة، أو يبتكر صورة، أو يجدد تشبيهاً، فإذا أدرك هذه الأمور فيما بعد فإنه يدركها، بوصفه ناقداً يتذوق عمله الأدبي، أعني بذلك أن الصور الفنية بشكل خاص تخرج إلى عالم الوعي والضوء على يدي الناقد، وتغلغل في ظلمة اللاوعي عند الشاعر، والعالمان مختلفان.

         ولا شك بأن الغموض مرتبط بالغوص في حقائق الحياة والتوغل في أسرارها، بالرؤيا، أمَّا الإبهام فهو نتيجة توهم فاسد وقصور في الأداة، والغموض هنا ليس مقصودا لذاته بل هو من طبيعة الرؤيا والتعبير معاً، فالشاعر لا يهدف إلى الغموض في ذاته أو الوضوح في ذاته لأنَّ الغموض والوضوح نسبيان إنَّما يهدف إلى اكتشاف العالم والحلول في روح الأشياء.

       كما يرجع أدونيس الغموض إلى تغير مفهوم الشعر في العصر الحديث تبعاً لتغير النظرة إلى العالم. “لم تعد القصيدة الحديثة تقدم للقارئ أفكاراً ومعاني شأن القصيدة القديمة وإنما أصبحت تقدم حالة أو فضاء من الأخيلة والصور ومن الانفعالات وتداعياتها، ولم يعد ينطلق (الشاعر) من موقف عقلي أو فكري واضح وجاهز إنَّما أخذ ينطلق من مناخ انفعالي نسميه تجربة أو رؤيا” .

        وهذا بعكس البياتي الذي نسب العجز إلى الإبهام دون الغموض، مَّا يدل على أن أدونيس هنا لا يميز بينهما. كما أنه هنا ينفي كون الغموض أو الوضوح مقياساً فنياً ويجعل من الخلق والإبداع ذلك المقياس. “فالوضوح في ذاته ليس قيمة فنية وكذلك الغموض. فهناك غموض ووضوح رديئان، وهناك غموض ووضوح جيدان. ولذا فالمسألة هي الدرجة الشعرية لا درجة الوضوح والغموض في ذاتيهما ولذاتيهما”.

        ويبدو أن الهدف من وراء استخدام الغموض في الشعر المعاصر هو البحث عن العناصر الإيحائية وإثارة غريزة القارئ، أو المتلقي للبحث عن حقيقة ما وراء النص الشعري وما قصده الشاعر فيه، وعليه يبدو أن الغموض أحد لوازم الشعر المهمة والسبب في ذلك؛ يعود إلى رؤيا وتفكير شعري، وثقافي عميق، كما أنه عنصر إلى جانب: اللغة والصورة، التي تتكون منها القصيدة المعاصرة.

    العلاقة بين الرمز والغموض في الشعر العربي المعاصر :

         يبدو أن فلسفة الرمز كانت تمثل الأساس الذي قامت عليه فكرة الغموض في الشعر العربي فقد كان الشعر ذو المضمون الرمزي في حقيقته، غالبًا ما يحمل في مضمونه كثيرًا من التأويلات والتفسيرات، وهو الحال ذاته في الشعر العربي المعاصر، الذي راح يكتنفه الكثير من الغموض والإبهام. إن استخدام الرمز في الشعر والأدب، كان وما يزال مظهرًا من مظاهر اللغة، ووسيلة مؤثرة، يستخدمها الشعراء في التعبير ، أيضًا تختلف الرموز عن فكرة الغموض من حيث المصدر، فهي في الغالب يكون مصدرها الدين، أو التاريخ، أو حتى العلوم المختلفة، بعكس الغموض فهو عبارة عن خاصية وميزة تنبع من أمانة وموضوعية الشاعر نفسه، وتفكيره الفردي.

     

    . الإبهام في شعر الحداثة،العوامل والمظاهر وآليات التأويل ،عبد الرحمن محمد القعود ، مارس 2002.م.

    . مفهوم الشّعر عند  رُوّاد الشّعر العربي الحر، فاتح، علاق، منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق، ط2001.

    . عز الدين إسماعيل: دراسات نقدية في الشعر والمسرح والقصة، دار الرائد العربي، بيروت، 1978



    التحميل من هنا





    المشاركات المميزة

    مشاركات