قائمة المقاييس

فهرس المحتويات








    get this widget

    الثلاثاء، 10 ديسمبر 2024

    الرمز في الشعر العربي الحديث والمعاصر

     



    الرمز في الشعر العربي الحديث والمعاصر

    1.    تعريف الرمز :

       الرمز يأخذ ثلاثة صيغ متباينة نسبيا، حيث يرمز في الحالة الأولى إلى مبدأ التجانس بين الأشياء المنقسمة من أصل واحد(تجانس الأطراف وانشطارات الأشياء)، وفي الحالة الثانية يأخذ صورة تجسيدية( تجسيد المعاني في صور ودلالات ومعاني مركبة)، وفي الحالة الثالثة يأخذ صورة تجريدية (الرموز الرياضية والعلمية في الكيمياء والفيزياء). وقد تأصلت هذه الدلالات الثلاثية لمفهوم الرمز في مختلف مظاهر الحياة الطبيعية والجمالية والاجتماعية والنفسية.

           فالرمز يغطي دلالة الترابط بين أمرين وشيئين أحدهما محسوس والآخر مجرد، فالحقيقة المرئية تستحضر في الوعي حقيقة أخرى غير مرئية (مجردة) ملازمة لها. حيث تفرض الحقيقة المرئية نفسها في الحواس لتستدعي حقيقة أخرى غائبة أو مجردة ولكنها وثيقة الصلة بما هو ماثل في الحواس، وبالتالي فإن طرفي المعادلة الرمزية، المرئي المحسوس، والخفي المجرد، يشكلان كلا واحدة ووحدة متكاملة لا يفهم أحدهما من غير الآخر. وعلى هذا النحو يأخذ الرمز هيئة تصور ذهني لحقيقة غائبة أو مجردة، ووفقا لذلك فإن الأنظمة الرمزية تؤدي دورها في التعبير عن أفكار ومفاهيم وتصورات ومعاني ودلالات.

    2.    مفهوم الرمز في الأدب :

       مفهوم الرمز في الأدب هو الإيحاء، أيْ التعبير غير المباشر عن النواحي النفسيّة المستترة، أمّا الرمزية فهي أن توحيَ بأفكارٍ أو عواطف باستعمال كلمات خاصّة في نظام دقيق لنقل المعنى بتأثير خفيّ أو غامض، بحيث ينطلق المعنى في آفاق واسعة جدًا، فالرمزية هي التعبير عن الأفكار والعواطف، ولكن بطريقة غير مباشرة، إنّما بواسطة وضع توقعات لماهية الأفكار والعواطف، وذلك بإنعاشها في عقل القارئ من خلال الاستعمال الرمزي غير الواضح لها.

    وظيفة الرمز في الأدب فتح المذهب الرمزي باب الغموض على القارئ، هذا الغموض الذي وظَّفه الكاتب، وهو من أبرز ما يُميّز الفن بكونه فنًا وليس كلامًا مبتذلًا، فاكتسب مفهوم الرمز في الأدب وظائف عدة منها القدرة على التعبير عن المشاعر المبهمة والعميقة في النفس البشرية، أكثر من اللغة العادية التي لا تستطيع التعبير عنها كما يستطيع الرمز الذي يمكنه الكشف عن أدق الألوان النفسية وفروقها الخفيّة، إضافة إلى أن الرمز يوحي بالحالة ولا يصرح بها، ويثير الصورة ثم يتركها تكتمل من تلقاء ذاتها كما تتسع الدوائر في الماء، وذلك عن طريق الفعالية الذهنية للمتلقي، ومن الوظائف المميزة أيضًا أن الرمز وسيلة قادرة لأن تتقبل التأويل والتفاسير المختلفة من قِبل المتلقي، ومن خلاله يصبح القارئ مشاركًا للمبدع في فنه.

    3.    نشأة الرمز في الأدب :

         إن الأدب الإنسانيّ نشأ مرتبطٌ بالرمز، والأساطير القديمة كانت المنجم الرئيس للرمز، هذا الأمر الذي يدل على أن الأدب الحديث بكونه أدبًا رمزيًّا لم ينشأ في فراغ، ولكن كانت بدايات الرمز أنها ظهرت في فرنسا في آواخر القرن التاسع عشر، فكانت الرمزية وقتها اتجاهًا خاصًّا في الأدب يتميز عن غيره، فالرمزية ليست وليدة الزمن الحديث، ولا هي قرينة بالأدب الغربي عامة أو الأدب الفرنسي على وجه الخصوص، فهذا يعدّ تجاهلًا لحقائق واضحة في الأدب الإنساني وتاريخه منذ عدة آلاف من السنين، ومنها إسهامات الأدب المصري عبر خمسة آلاف من السنين، والشعر الملحمي في الملاحم الهندية واليونانية وغيرها التي كانت تفيض بالرمز، إضافة إلى رمزية الصوفيين في عصر الإسلام وقبله.[٣]

    4.    نشأة الرمزية في الشعر العربي الحديث :

        بدأت الرمزية تلوح في القصيدة الغربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وذلك على يد الشاعر الفرنسي بودلير عن قصيدته التي كتبها وسماها باسم "المراسلات" وقد كانت تلك القصيدة هي الأيقونة التي تفجّرت عنها خصائص الرمزية ، ثم جاء بعده رامبو الذي سار على خطاه، أمّا في الشعر العربي فقد أجمع دارسو الأدب العربي أنَّ القصيدة الرمزية قد ظهرت أوّل مرة على يد الشاعر أديب مظهر، وذلك عن قصيدته التي سماها "نشيد السكون" فكانت بعدها الرمزية الشعر العربي. ثم استطاع الشاعر سعيد عقل أن يسير على ما بناه الشاعر أديب مظهر، ولكنَّه لم يقتصر على ذلك بل حاول أن يضع أساسات أخرى للرمزية ووسائل أدائها، ومن الجدير بالذكر أنَّ الرمزية هي واحدة من المدارس الأدبية، لكنّ انتساب الشعراء والأدباء إليها لم يكن محدودًا كما المدارس الأخرى، ومن أشهر مَن استخدم الرمزية في كتاباته النثرية جبران خليل جبران، واستطاع أن يُقدم معانيه العميقة محفوفة بهالة من الضبابية .

    5.    حضور الرمز في الشعر العربي:

         تجلّت أنواع الرموز في الشعر العربيوالتي  ومن بينها:

    ·        الرمز التراثي: وهو من أكثر الرموز التي يميل لها الشعراء؛ لإضفائها عراقة وأصالة على العمل الأدبي، ويُقسم الرمز التراثي إلى العديد من الأقسام ومن بينها:

    -        الرمز التاريخي: والذي يُقصد فيه توظيف العديد من الأحداث التاريخيّة، أو الأماكن التي ارتبطت بأحداث تاريخيَّة مشهورة، أو وقائع مهمة في العمل الأدبي.

    -        الرمز الديني: وهو الذي يُضفي على النص أبعادًا نفسية وروحانية عالية تتوغّل في مكنونات النفس الدَّاخليَّة فتُؤثر في الخطاب وأنماطه الإيحائية.

    ·         الرمز الصوفي: إنَّ مهمة الرمز الصوفي الخروج من عالم المحسوسات ورؤية الجمال الإلهي من خلال انعكاسه على المظاهر الحسية، فيجد القارئ أنَّ البحث الجمال عند الصوفية ينتقل من عالم العقل إلى عالم المشاعر وتجاوز هذا العالم إلى اليقين.

    ·        الرمز الأسطوي: يهدف الرمز الأسطوري إلى دمج المعاني المتشابهة وصهر الأفكار المتقاربة للوصول إلى الغاية تمثلة في  دمج الحدود والفوارق ، وهو نابعٌ من معرفة الشاعر الثقافية المعرفية أو من تجربة الشاعر الشخصية، وتُعرف دلالة هذا الرمز الخاص من خلال السياق وكذلك التجربة الشعرية، ولا بدَّ من وجود بعض القرائن التي تدلّ عليه.

    ·        الرمز الطبيعي: يقوم الرمز الطبيعي من خلال توحيد الذات الإنساني مع العوالم الطبيعية وشحن تلك العوالم فيوظف الشاعر الطاقات الداخلية لذلك الرمزية وشحنها بجملة من المشاعر والأفكار الجديدة، ويتم توظيف تلك الرموز بناء على هوى الشاعر، وغالبًا ما يكون الرمز الطبيعي ضبابيًّا لا يستطيع القارئ الوصول إلى معناه الموضوعي في أكثر الأحيان.

    6.    مستويات الرمز في الشعر العربي الحديث :  

         يُقسم الرمز إلى مستويين اثنين وهما:

    ·        الرمز الجزئي : هو الأسلوب التي تكتسب فيه الكلمة الواحدة أو الصورة الجزئية قيمة رمزيَّة، وذلك من خلال تفاعلها مع الأمور التي ترمز إليها، فتُثير اللفظة الكثير من المعاني الخفية التي يستثيرها ذلك الرمز، وقد يكون ارتباط ذلك الرمز بمواقف اجتماعيَّة أو بأحداث تاريخية أو بتجربة عاطفية أو بظاهرة عاطفية وما إلى ذلك.

    ·        الرمز الكلي : يُطلق على هذا المستوى اسم الرمز الكلي أو الرمز المركب، وهو الفكرة الأساسية والمطلقة والمحور الأصلي الذي تدور من حوله جميع الأفكار الجزئية والرموز متناثرة في الصورة الأدبيَّة الكاملة، فمهما تناثرت الصور الصغيرة تكون هناك قوة أثيرية عظيمة تربط بين تلك الصور برباط خاصٍّ نابعٍ من التجربة الشعرية.

    7.     خصائص الرمز في الشعر العربي الحديث :

        برزت العديد من الخصائص التي يُمكن من خلالها فهم القصيدة الرمزية، ومن ذلك:

    ·        الوحدة العضوية للبناء الفني :  معنى الوحدة العضوية للبناء الفني أن تكون القصيدة بحد ذاتها تُمثل فضاء كاملًا متسعًا مستقلًا بنفسه يتداخل فيه كل شيء معًا، وبذلك تكون القصيدة في داخلها وحدةً كاملةً حيةً ونسيجًا متناسقًا تتضافر فيه الخلايا فتكون كل واحدةٍ مؤدية إلى الأخرى وهكذا حتى يكتمل بناء العمل الفني، فيكون وحدة بحد ذاته لا يُمكن اقتطاع أي جزء منه ولو كان ذلك لضاعت الصور المعنوية والعناصر الجمالية.

    ·        النغم الشعري : ينطلق من حدس القارئ إنَّ فهم القصيدة الرمزية يتوقف على القارئ بحد ذاته، فلا يكون الأديب هو المبدع فقط والقارئ هو المتذوّق كما اعتاد العرب في القصائد القديمة، بل لا بدَّ للقارئ من بذل نفس جهد المبدع من أجل الوصول إلى المعاني، وبذلك الفضاء يستطيع الأديب والقارئ أن يلتقيا معًا، وبذلك يكون المعنى الجمالي ليس منوطًا في الكلمة نفسها وإنّما بالمسافة التي يتصورها القارئ ما بينه وبين القصيدة والمبدع في آنٍ معًا، وبذلك يكون النص الشعري الذي اعتمد على الرمزية متجددًا بتجدد الفهم باختلاف العصور.

    ·        الغموض : ليس المقصود بالغموض هو الإيغال في الإبهام، بل المقصود به هو الوصول إلى المعاني العميقة من خلال الصورة الشعرية التي يهدف من خلالها المبدع للوصول إلى أعلى درجات الفهم، فيكون الشعر البسيط الذي يهز القارئ من أعماقه هو نفسه الشعر العميق الذي يحتاج إلى إعمال الفكر والعقل، فتكون روح المعاني مقتبسة من موسيقى الشعر، ويرى كثير من نقاد الشعر أنّ الغموض ليس جديدًا بل هو قديم قد الصورة الشعرية المتخيلة التي ترتسم فيها المعاني عبر التشبيه والكناية والاستعارة.

    ·        الصورة الرمزية : في الشعر الرمزي توظف الصور الرمزية من حياة المبدع الواقعية، فهو يستقي من تجربته صوره التي ينثرها في قصائد فتكون حية معبرة تُثير النفس وتصل إلى أغوارها وأعماقها، ولا يأتي الشعراء في الرمز بالصورة الفنية بشكل مباشر بل يُهندسونها، بحيث يُكسب الشعر إيحائيًا عميقًا في النفوس، وهنا تكثر الدلالات لتتشكل القصيدة الرمزية العالية.

    8.    أدباء المذهب الرمزي في العصر الحديث :

           كثُر الأدباء الذين اتخذوا من الرمزية أسلوبًا لهم في كتاباتهم، ومن بينهم: محمود درويش: ، بدر شاكر السياب،  نزار قباني ، فدوى طوقان ... ومن القصائد التي وظفت الرمز في الشعر الحديث   قصيدة "عابرون في كلام عابر" لمحمود درويش استخدم فيها البحر والرمل ليقول إنّ المحتل مهما حاول أن يسرق من فلسطين فهو كَمَن يحاول سرقة البحر ورمال الصحاري:

    أيها المارون بين الكلمات العابرة

    احملوا أسماءكم وانصرفوا

    واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، و انصرفوا

    وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة

    و خذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا

    انكم لن تعرفوا

    كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء

          يقول بدر شاكرالسياب في قصيدته "تموز جيكور" مستخدمًا عشتار رمزًا يوحي للتجديد والخصب:

    ناب الخنزير يشقّ يدي

    ويغوص لظاه إلى كبدي

    ودمي يتدفق ينساب

    لم يغد شقائق أو قمحا

    لكنّ ملحا

    عشتار وتخفق أثواب

    وترف حيالي أعشاب

    من نعل يخفق كالبرق

    كالبرق الخلب ينساب

    9.    سمات المذهب الرمزي :

    للمدرسة الرمزية لها أيضًا خصائص ترسم للشعراء مسارهم وحدودهم، ويمكن أن تكون أهم سمات المذهب الرمزي التي انتهجها الشعراء الرمزيون في قصائدهم هي:

    ·        الغموض: حيث يرجع غموضهم إلى اهتمامهم بالمعنى الخفي للتراكيب.

    ·        الإيحاء: حيث يرتبط عندهم معنى الإيحاء بالغموض فهم لا يُعطونَك المعنى بشكلٍ مباشر.

    ·        الموسيقى: اهتمام الشعراء الرمزيّين بموسيقى الشعر، فكلّ من انتهج نهجَ الرمز في الشعر الحرّ اعتبَرَ الموسيقى الجزءَ الماديّ المهم  لتكوين قصيدتهم.

    ·        تراسل الحواس: هناك سمة واضحة تظهر في القصائد التي تنتمي إلى المدرسة الرمزية، ألا وهي تراسل الحواس، كأنْ يَستخدم حاسة اللمس لِما يقتضيه السّمع.


    التحميل من هنا





    المشاركات المميزة

    مشاركات