قائمة المقاييس

فهرس المحتويات








    get this widget

    الأربعاء، 8 مارس 2023

    اتجاهات الشعر : قضاياه وأغراضه في ليبيا









    اتجاهات الشعر في ليبيا.[1]

    1.     اتجاهات الشعر في ليبيا:

         صنف المؤرخ محمد الحاجري شعراء تلك الفترة إلى ثلاثة أجيال. جيل الشيوخ الكلاسيكيين الإحيائيين ومثله أحمد رفيق، وجيل الشبان ومثله علي صدقي عبد القادر، وجيل الناشئة ومثله آنذاك رجب الماجري. وإذا كان الرواد الشيوخ على منهج القصيدة التقليدية قد حاولوا الرقي بالقصيدة  من حضيضا الركاكة والزخارف اللفظية التي هيمنت على العصر السابق، فإن جيل الشبان ما لبث أن أشرب ثقافات عصره الحداثوية بانفتاحهم على شعر التفعيلة وتفاعلهم مع رومانسيات معاصريهم الذين تأثروا بالانفتاح الثقافي على الغرب وبشعراء المهجر، حيث ظهر هذا الأثر في شعر (علي صدقي عبد القادر) و (علي الرقيعي) و (خالد زغبية) و (حسن صالح) وغيرهم. وابتداءً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر ؛ كان من أشهر شعراء ليبيا: الشاعر (مصطفى بن زكري)، والشاعر (إبراهيم باكير)، والمجاهد (سليمان الباروني)، و (محمد) السني وأحمد الشارف) ، و (أحمد) قنابة)، و(أحمد رفيق المهدوي).

    أ - اتجاه التقليد والمحاكاة :

          لقد كان التقليد والمحاكاة السمة البارزة في الشعر الليبي في المرحلة الأولى من مراحل الحياة الأدبية في ليبيا أثناء السيادة العثمانية، ومع وصول تلك النداءات التي تدعو لمحاكاة القديم، فاستجابوا لها وانتقلوا بشعرهم من محاكاة القديم، واستخدام الصيغ والقوالب الجاهزة إلى الاحتذاء بالقصيدة العربية القديمة الأصيلة في العصور العباسية والأندلسية، لكنه على الرغم من ذلك لم يركن إلى التقليد الجامد بل عمد إلى إضفاء مسحة التجديد. "ولا عجب فإن الشعر بعد موت وركود طويل عندما أراد التجديد ومحاولة بعث حيويته في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان التجديد أو الإبداع لدى الشعراء مبدئا خطوه بإرسال المسحات الأندلسية، والعباسية، وما في الشعر من جزالة، أو قوة في جانب الحماس لكن الاستعمار الإيطالي قمع الحركة الشعرية التي كانت قد بدأت تقف على قدمين قويتين لأنه أدرك أن الشعر كان قادرا على التأثير في الجماهير، وتأليبها ضد المستعمر. يقول الشاعر "محمد الطيب الأشهب" في قصيدة (إخلاص قلبي) :

    جاد الزمان بوصـلها فأبـاحنا       طرفا كحيلا حالكا سحّارا

    في غفلة الرقباء والدهر الذي       كم لاكني في ماضغيه مرارا

    فنعمت نعمى نازح عن أرضه        ترك العشيرة كلها و الجارا

    وإذا سمعت فليس إلا صوتها         أعني به النغمات والأوتارا

            فالشاعر يلتزم بنمط البناء العمودي التقليدي للقصيدة، وينتحي منحى الغزل الذي عرفته الحاضرة العربية العباسية، وهو في هذا التقليد يعمد إلى استخدام ألفاظ رقيقة الحواشي، ليس فيها غلظة ولا وحشية، من أجل أن يوصل كلمته المبدعة إلى قلوب الشباب ويؤثر في أذواقهم. ومن قصيدة (الصحراء) للشاعر "أحمد علي الشارف".

    وشاسعة الأطراف واسعة الفضا      فلم تدر في ظـــلمائها أين تذهب

    ولم يك في الظلـماء نور مبدد        بسبــــسبها إلا إذا لاح كوكب

    وتسمع أصوات الكلاب مزيجة       بضجة حتى إن حدا بك مطلب

    ومن راح في أرجائها وفجاجها       يفاجـئه ليث وذئب وثعلب

            وهو يزاوج بين الألفاظ القديمة والحديثة في بناء عمودي أصيل، وضمن بحر خليلي رصين لا يخرج عنه ولا يطرف. ومن بين تلك الأشعار كذلك، نذكر أبياتا للشاعر "سليمان محمد تربح" من قصيدة (أجواء قلب) يقول فيها؟

    مال قلبي للهوى          يبتغي نفح العبير

    وتمادى فانكوى          بين أشواك الزهور

    عــود... تثنی

    وسقاه الورد حزنا

    ورأى الواقع شينا

    فتنحى و ارعوى       غائر الجرح كسير

         فنلاحظ أن الشاعر يستقي بنية الموشح الأندلسي ومظاهر التشكيل الشعري التي ظهرت في أواخر العصر العباسي مخمسات وغيرها، لينسج على منوال متناغم منها قصيدته التي لا تعلو على القديم ولا تنزوي إلى المحدث.

    ب . اتجاه التجديد و العصرنة:

           لا يقف الشعر كغيره من الفنون الإنسانية عند حدود بنائية قارة، إنما تحتم عليه حركة الزمان وتقدم الأفكار، وتبدل الواقع أن يتماشى مع كل روح جديدة، وأن يغير ما يجب تغييره وفق هذه الحتمية الطبيعية، وحتى لا يبقى الشعر الليبي رهين الزمن الماضي بينما حركة الحياة تدور في عجلة وارتقاء، وجد الشعراء أنفسهم مجبرين على مجاراة التغيير، دون وجل أو تردّد. يقول الشاعر "رفيق" في قصيدة (أما آن؟) :

    أما آن للشعر أن يـستقل      ويخلص من ربقة القافية؟

    فقد طـــال والله تقييده      بتقليدنا الـعصر الخالية

    إلام نسير بوزن الـخليل       ونرصف في قيده العائق

    وللشعر في كل لحن جميل     مــجال مع النغم الشائق

            وكمثال على قصيدة النثر يقول الشاعر علي محمد الرقيعي" في قصيدة ذكرى أمي:

    أنت كنت الرجاء والأمل المعسول، والـحب للفؤاد الكئيب

    أنت في خاطري المتيم إشراق من الحسن والجمال الخلوب

    أنت معنى الحياة ينشدها البشر أغان من الصفا المرغوب

         فها هو الشاعر ينظم ترنيمة في شوقه لأمه ضمن نمط من الرثاء المستحدث تختلف فيه التعابير عن تلك التي تعود الشعر القديم في غرض الرثاء، وهو في هذا مجدد . كما نسجل قصيدة من الشعر الحر للشاعر "أبي القاسم "خماج" يقول فيها :

    ظلمة الليل حوالي كثيفة

    وأنا أمشي وأمشي

    بيدي حلم سراج

    والمتاهات.. المتاهات مخيفة

    وأنا داخل نفسي

    من أنا؟!

    أأنا حقا على الأرض خليفة؟؟

        وقد ظهر كذلك نوع من الشعر المستجد عرف بالتشطير ، وقد كان مشهورا جدا في ليبيا، هذا النوع الشعر يجمع بين البناء العمودي المحتذى . خلال الاشتغال على قصيدة قديمة لأحد الشعراء، وإضافة نسج من قبل الشاعر ، ومنها أبيات للشاعر "علي محمد الديب" في (تشطيرة لرائية أبي فراس الحمداني):

     (أراك عصي الدمع شيمتك الصبر)     تعاني الأسى والدار نازحة قفر

      وتكـتم من أمر الهوى حرّ زفـرة    (أما للهوى نهي عليك ولا أمر)

           بلغ الشعر الليبي مرحلة من النضج الفني تشهد له الدراسات النقدية المعاصرة بالاكتمال والنقاء، ويبدو ذلك جليا من خلال الاهتمام الأكاديمي في جامعات الوطن العربي بدراسة ذلك الشعر وإعادة بعثه على الرغم من ندرة المدونات المطبوعة .

    2.     الأغراض الشعرية :

    أ - غرض المدح:

    يقول الشاعر "سليمان الباروني" يمدح "رجب" باشا المشير".

    ذاك المشير المرتضى عند الورى       حاوي المكارم حائز أسماءها

    جمع الفضائل والمحامد واكتسى        ثوب المـهابة والعلوم حـواهـا

    ومثل ذلك كثير، يتمثل في أبيات وقصائد في مدح بعض الشخصيات التاريخية من الأئمة أو الشعراء .

    ب . غرض الرثاء:

    يقول الشاعر "عبد الباسط الدلال" في رثاء الشاعر "إبراهيم الأسطى عمر:

    قبس شع في سماء الـــخلود     فانجلت ظلمة الأسى والخمود

    وأضاء الوجود فيض من الإلهام      يسـري على لسان مجــيد

    من جبين اليتيم إشراقة النو        ر وومــض الذكاء والتـجديد

    فالشاعر يعيد ذكرى شاعر آخر ويعلن أنه ورث عنه صدى القول، حتى لا يقال إنه قد مات فهو خالد في شعر

    ويقول الشاعر "علي الفزاني" في قصيدة (البذور تغني) :

    هذا التكاثر

    وازدحام اللغو في الأرض البوار

    أنا ما غنّيت لحنا للمقابر

    وغنائي كان، إسقاط الجدار

    كل يوم يأخذ الموت أبيا

    كيف دمعي لم يزل صلدا عصيا (...)

    والملاحظ أن أغلب المراثي كانت للشعراء، كما نجد أحيانا من يرثي أمه أو زوجته، أو يرثي أهل العلم جميعا.

    ت . وصف الطبيعة :

    يقول الشاعر "أحمد رفيق" في وصف الربيع:

    جاء الربيع فقم بنا يا صاح          تلق الزمان يمر بالأفراح

    في موكب لبس الزمان ثيابه        واختال منه بميعة ومراح

    عرس زهت فيه الطبيعة فاكتست   حلل النبات البارض الفواح

    أيامه حور حسان أقبلت            تهدي عروس الروح للأرواح

    وللشاعر أبيات كثيرة في وصف كل الفصول، كما نجد شعراء آخرين وصفوا الرياض والجبال ومظاهر الطبيعة الخلابة بخضرتها وأزهارها اليانعة، ومنهم وصف الصحراء والتغزل بمزاياها.

    ث . المرأة في الشعر:

    يقول الشاعر عبد المولى "البغدادي"

    سلي جفونك يا ســـــمراء ما فعــلت   بنازح غره فــــي دربــك السـفر

    صادي الجوانح في محراب غـــــربته    ما هزه الشــــوق إلا بات يــستعر

     أبحرت في موجك الفضي ليس معي     إلا المشـــــاعر أذكـــيها فتـــنهمر

    ج . الشعر الوطني:

    يقول الشاعر عبد ربه الغناي" في قصيدة (عيد)

    يا ابنة البيد: ليبيا. تتخـــــطى       كل يوم إلى العلا.. فاتبعينـا

     أعلن الحق، فالمـــآسي تولت      وبدا فجرنا.. مع المصلحينا

    ولنا من مناصري الحق رهط      عاضدونا.وهم بنا معجبونا

          وقد كان الشعر الوطني في ليبيا شعر ثوريا متميزا، جمع أحيانا بين موضوعات الفخر بالانتماء إلى العروبة أو إلى المغرب العربي أو إلى القطر الليبي، كما امتزج بالدعوة إلى الثورة أو وصف أمجادها، وكذلك امتزج بشعر الغربة والحنين إلى الوطن، كما نجد شعرا وطنيا في أقطار عربية أخرى ، أو الخوض في أزمة فلسطين، أو التعاطف مع آثار الفتنة الطائفية في لبنان.

    ح . الشعر الاجتماعي :

    يقول الشاعر "أحمد قنابة":

    حيوا الشباب الناهض الصنديدا       فالحق أصبح عدة وعديدا

    حيوا المدافع عن سناء بـلاده      مثل الجنود منظما وشديدا

    حيوه شهما ثابتا مستــأسـدا       واجفوه خبا طائشا عربيدا

         فالشاعر يشيد بالشباب وبأخلاقهم التي تسند الوطن وتبنيه وترفعه، وهو في هذه الأبيات يضمن نصحا بضرورة التحلي بالأخلاق الكريمة لأنها هي السمة التي ترفع الأوطان.

    المراجع :

    - أشغال المؤتمر الأول للوثائق والمخطوطات في ليبيا، مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية، طرابلس، 1992، ج:02. 27 - مجلة الأدبية الإلكترونية ميلود مصطفى عاشور، (مقال)، 13.09.2015.

    - السمات الفنية في أدب الرسائل المهجرية عند السنوسي بن صالح الدوكالي محمد نصر، أشغال المؤتمر الأول للوثائق والمخطوطات في ليبيا.

    - الشعر والشعراء في ليبيا، محمد الصادق عفيفي دار الطباعة الحديثة، 1957، مصر.

    - الشعر الليبي في القرن العشرين قصائد مختارة لمئة شاعر (مخطوط)، نقلا عن: عبد الحميد عبد الله الهرامة، عمار محمد حجيدر. 14- ديوان مصطفى بن زكري جمع : علي مصطفى المصراتي، دار مكتبة الفكر، طرابلس، ليبيا، 1972.

     

    حمل الملف من هنا

    اتجاهات الشعر في ليبيا



    [1] مأخوذ عن مقال للدكتورين : آمال كبير . عادل بودیار ( بتصرف )

      

    المشاركات المميزة

    مشاركات