التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث والمعاصر
تمهيد :
لقد فتحت قصيدة التفعيلة آفاقا جديدة للشعر
العربي خاصة وأن( الكتابة التحريرية للقصيدة الشعرية, قد حركت الكلمات المسموعة من
عالم الصوت المجرد إلى عالم الرؤية البصرية المجسمة أو المجردة, ومن ثم بدأ القراء
التعود على التقاط أحاسيسهم عبر التحرير الشكلي للنص مع كيفية القراءة بالإضافة
إلى المضمون).
واحتل التشكيل البصري في الشعر العربي
الحديث مكانة بارزة خصوصا في الشعر الحر, الذي أعطى للشاعر الحرية المطلقة في
تقنية الكتابة الشعرية, نتيجة تخلصه من قيود الشعر العربي القديم, مما أتاح له
استثمار الطاقات الفنية المتاحة في لغة الكتابة الشعرية, الأمر الذي أسهم في تقديمه وحمل رسالته وخدمة تجربته,وزادت أهمية
التشكيل البصري في لغة الشعر الحر تقنيات الكتابة (الشكل الطباعي) التي تطورت عما
كانت عليه في السابق, ولما يهيئه الشعر الحر من فرصة لاستغلال شكل النص ومدلولاته
المختلفة.
ونعني بالتشكيل البصري الصورة البصرية للنص
الشعري المطبوع بشكل معين فوق بياض الورقة , يخرج على معايير شكل الكتابة النثرية
الاعتيادية, ويسهم في صنع الجانب الشعري من البعد البصري للنص, فضلا عن تدعيمه
للدلالة البصرية وزيادة قدراته التأثيرية في المتلقي.
1.البياض والسواد والشكل المتموج:
يهتم الأديب المعاصر بطريقة الكتابة نوع
ترتيبه للأبيات بقدر ما يهتم للكتابة نفسها, لذلك نلاحظ صراعا بين الكتابة والفضاء
المحيط بها, وهذا يدل على الصراع القائم
بين نفسية الشاعر والعالم بشكل عام, والعتبات التي تحيط النص من الفضاء
الخارجي للنص وما فيها من العلامات والإشارات التي تزيد من المفاهيم والمعاني بحيث
يستلذ القارئ بها ويصيب فوائد كثيرة(يعد تشكيل الفراغ المكاني جزءا لا يتجزأ من
إيقاع القصيدة التكويني إذ هو مستوى إيقاعي يفصح عن حركة الذات الداخلية , ويتسم
بالصراع بين ما تمثله الكتابة (المساحة السوداء المحبرة ) وما يمثله الفراغ (مساحة
البياض) وهذا الصراع لا يمكن أن يكون إلا انعكاسا مباشرا أو غير مباشر للصراع
الداخلي الذي يعانيه الشاعر, فيقيم حوارا بين الكتابة والبياض, مستنطقا الفراغ
ومساحته الصامتة بحث تعبر عن نفسية الشاعر المندفعة أو الهادئة على المستوى
البصري, ويترك المكان النصي ببياضه الصمت متكلما ويحيل الفراغ إلى كتابة أخرى
أساسها المحو الذي يكثف إيقاع كل من المكتوب المثبت والمكتوب الممحي), وفي هذا
السياق يمكن أن ندرج المثال التالي لبدر شاكر السياب في قصيدة جيكور:
جيكور ماذا ...؟
أنمشي نحن في الزمن
أم إنه الماشي
ونحن فيه وقوف؟
أين أوله
وأين آخره؟
هل مر أطوله...
ما يلاحظ في هذه الأسطر هو اضطراب في
الكتابة وهذا يعكس نفسية الشاعر المضطربة, التي لم تقو على استيعاب هذا الزمن, وقد
تجلى ذلك من خلال التساؤلات القلقة المشبعة بالحيرة والمصير المجهول, ولعل تسارع
رقعة البياض وانحسار رقعة السواد دلالة على عدم العثور على الإجابة الشافية. ويقول في موضع آخر:
وجيكور خضراء
مس الأصيل
ذرى النخيل فيها
ودربي إليها
كومض البروق,
بدا واختفى ثم
عاد الضياء فأذكاه حتى أنار المدينة
وعرَّى يدي من
وراء الضماد كأن الجراحات فيها حروق
جيكور من دونها
قام سور
وبوابة
واحتوتها سكينة
يتضح من شكل الكتابة الشعرية أن الشاعر
(السياب) وزع أسطره الشعرية توزيعا طباعيا غير متساو من حيث الطول, أي أن جغرافية
الكتابة لهذا المقطع الشعري متفاوتة إضافة إلى عدم إتمام السطر الشعري من حيث
المبنى والمعنى والإيقاع , وهو بذلك يستثير حاسة البصر لدى القارئ ويحفزها على
التفاعل مع هذه الأشكال, وهذا بالطبع (إنما يخضع لإيقاع التجربة وهندسة الدلالة
النفسية في حركتها الخفية والمتوترة المتراجعة إلى لحظة البداية..).
يحاول الشاعر من خلال هذا العمل التجديد في
شكل القصيدة والخروج عن المألوف, إضافة إلى الارتقاء باللغة إلى مستوى الجمالية
وذلك من خلال إعادة توزيع الكلمات على مساحة الورقة, فيحول الكتابة من نص قابل
للاستهلاك إلى نص غير قابل للاستهلاك.
وقد تأخذ تقنية البياض أشكالا أخرى في
الكتابة كما هو الحال في قصيدة (المعسكر) لسعدي يوسف التي يقول فيها:
كلما انتصف
الليل أوقدت نار المعسكر
في النهار
احتطبت
ثم أنصت:
هل هذه خطوات
الجنود؟
............
............
............
إن مساحة البياض في النص إضافة إلى
الفراغ الذي تركه الشاعر في الثلاثة أسطر الأخيرة, يدفع إلى التساؤل, مثلا ما الذي
كان يدور في المعسكر؟ ولماذا توقف الشاعر فجأة عن السرد؟
ويفتح الباب أمام تأويلات كثيرة, فقد يكون
هذا الصمت فراغا تصويريا غير مرئي لما يحدث من تجاوزات واعتداءات على المساجين عند
استنطاقهم وإجبارهم على الاعتراف بالتهم الموجهة إليهم, وقد تكون هذه النقط
المتتابعة الصامتة هي خطوات الجنود القادمين نحو المعسكر, والتي أثارت رعب الشاعر
فآثر الصمت اتقاء شرهم, وقد يكون هذا الجدل بين الكلام والصمت(السواد والبياض) صراع
بين الحرية والقيد, فما باحت به القصيدة من كلام يعادل الحرية والحركة والنشاط
نهارا وما صمتت عنه يوازي سلب هذه القيم ودوسها بوقع خطوات الجنود كلما انتصف
الليل.
قد يعمد الشاعر المعاصر إلى الحذف قصدا
وذلك لإثارة انتباه القارئ وإشراكه في بناء النص الشعري, أي استكمال ما نقص من
دواله والسعي نحو تحقيقه دلاليا,لأن الفراغات( تلعب دورا أساسيا في بناء التشكيلات
الدلالية لدى القارئ).
2 . التنسيق الهندسي للدوال:
قد يلجأ الشاعر
المعاصر أحيانا إلى تنسيق الدوال هندسيا مستهدفا إنتاج المعنى على نحو موز لهذا
التنسيق, وتصل الفراغات الطباعية في بعض الصفحات إلى مساحات واسعة , ففي قصيدة( أنا
آت إلى ظل عينيك) لمحمود درويش تكتب الجمل الشعرية بشكل متناسب مع الشعور النفسي
الذي تفصح عنه دلالات الجملة, فيقول:
ثم قالوا: هي
الحروب كر ٌّوفرّ
ثم فروا..
وفروا..
وفروا..
إن كتابة الجملة الشعرية وتوزيع الأسطر
الشعرية بهذا الشكل المائل يوحي بالانزلاق ويضفي على الصورة الشعرية نوعا من حركية
المضمون, إذ يستحضر القارئ صورة تكاد تكون مرئية لمشهد الهروب والفرار مرحلة مرحلة
حتى يصل إلى أبعد نقطة عن السياق الكتابي للنص.
إن الشاعر المعاصر له مطلق الحرية في اختيار
أشكاله الشعرية الخاصة التي تناسب المضمون,ومن هنا كانت العلاقة بين الشكل
والمضمون شديدة الترابط, وذلك لأن نسق القصيدة لا يأتي نتيجة نسق سابق الوجود بل
ينشأ عن المضمون نفسه, وهذا تنسيق آخر من قصيدة (بائعة التذاكر) لعدنان الصائغ يقول فيها:
أكف بلون التراب
المواعيد,
والتبغ,
أو كاللهاث
أكفٌّ مرابية,
أو منمقة
خشنةٌ,
لا مبالية,
أو مشاكسة
نصف مفتوحة,
نصفُ جائعةٍ,
نصفُ آهٍ...
يرسم الشاعر الفقر والفساد في مجتمعه, كما
يرسم الصراع بين الفقراء والفاسدين عن طريق الشكل ,فهو يوافق المعنى الداخلي للنص
في: أكف( بلون التراب, ومواعيد, وتبغ, واللهاث), توحي بالحالات التي يتأذى منها
الفقير , أما في: أكف( مرابية, منمقة, وخشنة, ولا مبالية, ومشاكسة ) فهي توحي بالفساد
والمفسدين في المجتمع, وهذا الصراع دائم بين الأغنياء والفقراء, وقد رسمه الشاعر
بشكل متموج ليبين للقارئ رفضه للوضع القائم في بلده ومدى عذابه النفسي لما يعيشه
شعبه.
3 . تفتيت الكلمات ( التقطيع الخطي ) :
ونعني به تقطيع كلمة أو مجموعة كلمات إلى
أجزاء متعددة داخل القصيدة, فهو عدول بصري في طريقة الرسم الكتابي العادي للمفردات
الشعرية, تعبيرا عن البعد النفسي لدلالة المفردة المقطعة في القصيدة.
وتكشف ظاهرة التقطيع الكتابي في النص
الشعري المعاصر عن الشكل الصياغي الجديد , كما أنها ظاهرة إبداعية خارقة للمألوف
مثيرة للدهشة , تحاول أن تجسد تأثيرها البصري في المتلقي , وذلك بإبراز قيمتها
البصرية في صورة شعرية دالة من حيث المظهر والملامح , ومن حيث المضمون والدلالة.
لقد وظف الشاعر يوسف سعدي الكلمات
المنثورة المتكررة ووزعها على بياض الصفحة بطريقة توحي بالتعبير الملحوظ عن الحركة
والقيام بدور الفعل الذي يجسد الصورة الشعرية أو الفضاء الداخلي تجسيدا خارجيا
حيا, وهو ما يمنح مظهر التكرار المكثف وظيفة أعمق وأبعد من دلالة التأكيد,( فقد
يلجأ الشاعر في بعض الأحيان إلى تفكيك وحدة الكلمة الواحدة بحيث تبدو كل جزئية
منها ذات كيان مستقل معزول عن نظيره رغم اتصاله السياقي, فيفتح بذلك تشكيلا بصريا
موازيا لمضمون التبعثر والتناثر والتشظي ), ونلاحظ ذلك في قصيدة( الأعداء) ليوسف
سعدي حيث يقول:
نعرف أن ع. ر. ا. ق حروف نتهجاها
أين نراه؟
وكنَّا نحمل آنية السلوى
الكلمات التي لا نفقهها
وَ .ع.ر. ا. ق ابنِ مبارك
كَانَتْ أَجْسَادُ السَّمَكِ البَالِغِ
نَاعِمَةً فَوْقَ حَرَاشِفِنَا
ك. و. س. ج
ك. و. س. ج
كوسجُ
كوسجُ وكان الكوسجُ مندفعا نحو الماء
الأبيض
طائرة تمرق عبر ع. ر. ا. ق نجهله
يتجلى التفتيت في هذا المقطع الشعري , حيث
تحمل حروف كلمة (عراق) دلالة البعثرة والتمزيق لأوصال الوطن منذ بداية النص الذي
انفتح مشهده على تهجئة الحروف , ويستمر هذا التشكيل المتقطع حتى نهاية النص الذي
يغلق على حروفها يجعلها مبعثرا , في حين ظهرت ( كوسج ) مبعثرة في البداية ويحمل
تفتيتها دلالة صوتية للتعبير عن تقطع الأنفاس خوفا من الكوسج, ثم تحولت إلى بنية
لغوية موحدة ذات دلالة وحشية. كما استخدم عدنان الصائغ هذا الأسلوب في إنتاجه
الشعري :
في الصباح
المطلّ
على مكتب فاخر
سيدلق ما قص من
حلمه
في سلال الوظيفة
ثم يشطبني .....
ه.......
ك.......
ذ.......
ا.......
ظهر التفتيت في هذا النص بطريقة عمودية,
ودلت الحروف المفردة على حالة الشاعر النفسية المثيرة للدهشة, فكلمة(هكذا) المفتتة
تدل على توطيد مقال الشاعر لشطبه فكأنما صرف حروف هذه الكلمة ليسجل في وعي المتلقي
حرمانه وحزنه, وهذا الأسلوب طريقة تعبيرية لظهور الانفعالات الذاتية في جسد الصفحة
.
4 . توظيف الأرقام وعلامات الترقيم:
هي علامات ورموز متفق عليها توضع في النص
المكتوب بهدف تنظيمه وتسهيل قراءته, وتعني لغة( وضع رموز مخصوصة في أثناء الكتابة,
لتعيين مواقع الفصل والوقف والابتداء وأنواع النبرات الصوتية والأغراض الكلامية في
أثناء القراءة ) .
كما أن الظواهر الطباعية والمغامرة
الشعرية أدت إلى توظيف الأرقام التي أصبحت
أداة إنتاجية تؤدي مهمتين هما ( الفصل والوصل) على صعيد واحد, فقد أكثر
الشعراء في العصر الحديث من ترقيم فقراتهم الشعرية لإعطائها حق الإنتاج الشعري
أولا, ثم اعتماد التتابع الرقمي أداة ربط بين الفقرات ثانيا.
ومن الشعراء الذين تناولوا علامات الترقيم
نذكر عدنان الصائغ في قصيدته( انتظريني تحت نصب الحرية ) يقول فيها:
ماذا يحدثُ
في شكل العالم؟!
ماذا يحدث لو...!
بدلاً من أن
تزرعَ في صدري طلقهْ
تزرع...
في قلبي....
وردهْ.....!؟
يعتمد الشاعر على الاستفهام استنكاري حين
يطلب الرحمة والمحبة, ويتبعه ب( لو) الامتناعية وعلامة الانفعال لعدم وجود أحد
يلبي له ما يطلبه, فالشاعر يريد أن يثبت الخير فيطلب من المخاطب أن يزرع في قلبه
وردة بدلا من الحقد والرصاص, ويورد الطلب مفتتا عبر الأسطر حيث يبدأ بـ( تزرع )
وبعدها نقاط, ثم( في قلبي ) ونقاط ويختمها بـ( وردة ) وبعدها علامة تعجب واستفهام
ويدل ذلك كله على أن ما يطلبه بعيد المنال وهذا ما يعمق آلامه. ويقول أمل دنقل في قصيدته (رسوم في بهو عربي ):
اللوحة الأولى
على الجدار
ليلى (الدمشقية)
من شرفة الحمراء ترنو لغروب الشمس
وكرمة أندلسية
وفسقية
..... ......
.......
وطبقات الصمت
والغبار
نقش
( مولاي لا غالب
إلا الله )
(2)
اللوحة الأخرى
... بلا إطار:
للمسجد الأقصى
..( وكان قبل أن يحترق الرواق )
وقبة الصخرة ــ
والبراق / و آية تآكلت حروفها الصغار
نقش
(مولاي لا غالب
إلا ... النار)
(3)
اللوحة الدامية
الخطوط
الواهية الخيوط :
لعاشق محترق
الأجفان / كان اسمه ( سرحان)
يمسك بندقية على
شفا السقوط
نقش
(بيني وبين
الناس تلك (الشعرة ) / لكن من يقبض فوق الثورة يقبض فوق الجمرة)
(4)
اللوحة الأخيرة
:
خريطة مبتورة
الأجزاء/ كان اسمها سيناء
ولطخة سوداء
تملأ كل الصورة
نقش
(الناس سواسية
ــ في الذل ــ كأسنان المشط ينكسرون كأسنان المشط/ في لحية شيخ النفط)
تبدو القصيدة على شكل لقطات من هنا وهناك,
تجمع بين الماضي والحاضر, فاللوحة الأولى تقع تحت الرقم (1) نشاهد فيها ليلى
الدمشقية ( سليلة عبد الرحمان الداخل ) تنظر إلى غروب الشمس, وفسقية وبساتين
الكروم ويحدث انقطاع بالفاصل الطباعي عن طريق النقط ويأتي بعده (وطبقات الصمت
والغبار), واللوحة هنا باهتة الألوان, مغبرة الأركان , ذلك أن طبقات الشمس والغبار
هي التي تطغى على ألوان المجد,ويأتي النقش في أسفل اللوحة ( مولاي لا غالب إلا الله ) ليدل على أن
ذلك كان شعارا لدولة بني الأحمر آخر ملوك الأندلس , وهذا الشعار سيتم إحضاره في
باقي المشاهد لتفجير دلالته المتراكمة.
ثم تنتقل الصورة من الماضي إلى الحاضر في
اللوحة رقم (2) حيث تصور فداحة الحاضر , ومما نتابعه أن هذه اللوحة بلا
إطارــ وذلك دليل الإهمال ــ ويظهر فيها
المسجد الأقصى وقد احترق رواقه , كما تظهر القبة والبراق, وآية( سبحان الذي أسرى )
التي تآكلت حروفها, وتنقطع الكاميرا الشعرية على المشهد لتنزل على النقش, الذي
تغيرت دلالته من (لا غالب إلا الله ) إلى( لا غالب إلا ...النار ) حيث تزحزح عن
مكانه في القلوب , فسادت المادية على حساب الروحية. ورغم التباعد الظاهري بين
اللوحتين الأولى والثانية إلا أنهما تشتركان في حالة الضعف والانهيار الذي آلت
إليه الأمة العربية .
اللوحة الثالثة تحمل مشهدا دمويا لعاشق
اسمه( سرحان ), حمل البندقية وحيدا و''كان ذلك قبل الانتفاضة, قبل انتظام الشعب
الفلسطيني في ثورة الحجارة التاريخية, فكانت لوحة مقاومته الفردية المشتتة دامية
وواهية, يتسلح ويترنح ويستعين بالسياسة التي لا تجدي فتيلا دون القوة, والنقش الذي
كان ينبثق من ضميره أخذ يتمثل في نموذج المراوغة الشهير في شعرة معاوية, لكنه نقش
باهت وضعيف حتى في تركيبه اللغوي.
وتأتي اللوحة الأخيرة رقم (4) لتكمل مشهد
المأساة العربية, وهو مشهد مظلم غائب الملامح , فالخريطة مبتورة بسيناء, والقتامة
تملأ كل المشهد, وتنتقل الكاميرا الراصدة بعد ذلك
لنفاجأ بالنقش المنقطع عن اللوحة, فالناس سواسية في الذل, ولماذا ربط ذلك
بلحية شيخ النفط ؟, ولعل ذلك يعود إلى أن سبب ذل الشعوب العربية هو من ضياع
الأموال والثروات على أيدي مشايخ النفط, الذين بددوا ثروات الشعوب العربية على نزواتهم وشهواتهم, فأدى ذلك إلى وجود شرائح
كبيرة من الشعوب العربية فقيرة ومذلولة.
وفي الشاهد الشعري أدت الأرقام مهنتي الفصل
الظاهري السطحي والوصل على صعيد المعنى. كما وظف الشعراء علامات الترقيم منها
الفاصلة والنقطة ... يقول خليل الحاوي في
مقطع شعري بعنوان ( المجوس في أوروبا ):
ودخلنا مثل من
يدخل
في ليل المقابر,
أوقدت نارا,
وأجسام تلوت,
رقصة النار على ألحان ساحر,
فاستحالت عتمات
السقف
بلَّورا, ثريات,
وزرقة
لقد وضع الشاعر الفاصلة في مكانها المناسب, إذ يمكن للقارئ من خلال هذه التقنية أن يأخذ نفسا للاستراحة, والفاصلة بهذه الطريقة توحي للقارئ - في الوهلة الأولى - أن هناك تقسيما لأجزاء الكلام غير مكتمل دلاليا, وهذا ما يدفعه لمواصلة القراءة, لأن هذه الجمل موصولة ببعضها البعض, واستطاع الشاعر من خلال توظيف الفاصلة أن يسجل علامة من علامات الأداء الشفوي التي تستدعي قطع النفس عند هذه الفاصلة, وهو ما يوازي قطع القراءة عند قراءة المكتوب.
( منقول بتصرف )